الخميس، 16 فبراير 2012

"يا توافق يا تنافق" مالك أمل!!




يقال في الأثر "عنزة ولو طارت" وقصة هذا المثل تتلخص في أنه كان هناك اثنين من رعاة الغنم يسيران في الوادي فلفت نظرهما شيئا أسوداً فوق الجبل قال أحدهما: هذا غراب وقال الآخر: هذه عنزة وأصر كلاهما على رأيه وحين اقتربا من ذاك الشيء فإذا به يطير حينها أدرك الأخير أنه لا مفر من المكابرة فقال قولته التي أصبحت مثلا.. وفي زماننا هذا ترسخ مفهوم المكابرة ورفض الخضوع للمنطق والحجة والحق لدى البعض في المناظرات والمجادلات والحوارات بشتى المجالات، حتى بات لسان حالهم يقول "يا توافق.. يا تنافق" وكأنه يطلب منك مقدما أن تهز رأسك بإيماءة الاقتناع فيكون ذلك إما وفاق مع رأيه وإما نفاق لشخصه. وقد عجبت حقا ممن يـجادل دون علم ويحكم دون سبق مشاهدة، فالآراء لديه مسبقة والأحكام عنده قطعية إما الحوار معه فهو مضيعة للوقت وتحقير للعقل. بل العجب كل العجب ممن يؤتى له بكلام الله تعالي فيقول ولكن...!!! فأين هؤلاء من قوله تعالى (( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ )) أو يُروى له حديثا من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم أو قبسا من سير السلف من الصحابة أو التابعين فيقول ذاك زمان غير زماننا فأنى لنا أن نقارن بأنفسنا بهؤلاء القوم..!!! قطعا لا يمكننا أن نقارن أنفسنا يجيل محمد وصحبه فقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم (( لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهباً ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه (( وذلك لا يتنافى أبداً مع الاقتداء بهم. وما الإمام الشافعي سوى نبراسٌ لنا في قضية الجدال والنقاش حيث قال "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" وما ذلك إلا تأكيد على أهمية سماع رأي الأخر قبل الحكم عليه والاستعداد الكامل للتراجع عن الخطأ المحتمل في الرأي الذي تظن به الصواب، وقال الإمام أيضا " ما جادلت أحدا إلا و تمنيت أن يجري الله الحق على لسانه" وفي ذلك تجرد من هوى النفس التي تدفع المرء بأن تأخذه العزة بالإثم وإخلاص النية لله تعالى، فما أحوجنا اليوم لمثل هذه الآداب في مناظراتنا ومجادلتنا وحواراتنا التي باتت عقيمة لأنها قائمة على انتصار لكبرياء الذات الزائف واتكال على قوة الصوت لا الحجة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق